قبل اندلاع الأزمة الخليجية، وبعدما اتخذت دول المنطقة قراراً يقضي بقطع العلاقات مع قطر، كنا نعتقد أن الاقتصاد القطري قوي ومتين وقادر على منافسة كبرى الدول، وخاصة أن قطر تعد من أهم منتجي الغاز الطبيعي ومشتقاته على مستوى العالم، وأيضاً من خلال الاستثمارات الضخمة والرنانة التي يعلن عنها بين الحين والآخر، سواء كانت داخلية أم خارجية مثل الاستثمار في نادي باريس سان جيرمان، ومتجر «هارودز»، وبنك «باركليز» وغيرها من استثمارات في مختلف دول العالم. إلا أن الاقتصاد القطري أثبت أنه هش وحاله كحال السياسة لديهم، فالأمور يبدو أنها كانت تسير وفقاً لخطط عشوائية، حسب أمزجة وقرارات فردية غير مبنية على نظام مؤسسي ومستدام. لم تدرك قطر أنها في موقف ضعيف، وأن متانة الاقتصاد وقوته مرتبطان بشكل مباشر مع طبيعة العلاقات الدولية، ففي بداية أزمتهم بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده دخلت قطر في أزمة اقتصادية كان عدم قدرتهم على تسويق الغاز جزءاً منها، ولولا الجيران الذين فزعوا لقطر وساعدوها في تخطي أزمتها لما استطاعت أن تتجاوز محنتها تلك إلا بالاقتراض من البنك الدولي والدخول في دوامة الديون، حينما قرر الوالد الانتقام من ابنه العاق بتحويل الودائع القطرية إلى بنوك خارج البلد لإفشال الانقلاب الذي قاده ضده. والمستمع لمشاريع القطريين العالمية خلال السنوات الماضية، وحرصهم الاستعراضي على الوجود في مختلف العواصم العالمية بالاستثمارات، قد يعتقد أن الأمور عندهم تسير في طريق صحيح! إلا أن الواضح الآن أن تلك المشاريع ليست إلا غطاء قطرياً لتنفيذ أجندة سياسية واستخدامها كوسائل ضغط على الدول التي تقام فيها تلك المشاريع. ولعل أبرز ملامح فشل القطريين في التخطيط السليم لاقتصاد آمن، لهم ولأجيالهم، انكشاف إمكانياتهم الضعيفة والمترهلة في الوقوف والصمود أمام الدول التي أعلنت استياءها من السياسة القطرية، وقطعت العلاقات لتأمن على نفسها مكرهم وشرهم. وعلى سبيل المثال، وهو أبسط الأمور، انهيار قطر أمام توقف الواردات الغذائية إليها، فهي تعتمد بشكل كلي على الغذاء المستورد حتى في أبسط المنتجات، فليست هناك قدرة على توفير الحد الأدنى من الغذاء لسكان قطر من منتجاتها هي نفسها، وهو ما يدل على فشل وسوء إدارة لموارد البلاد. وأيضاً حينما استطاعت قطر بالحيلة، والرشوة، أن تفوز باستضافة كأس العالم، لم يكن في حسبانهم أن الأفواج البشرية التي ستنهال عليهم يحتاجون لاستقبالها إلى بنية تحتية قوية ومتكاملة الخدمات ابتداء من السكن كالفنادق والمطاعم، وغيرها من الأمور المهمة والحيوية. فلجوء القطريين لتعويض النقص باستيراد الألبان من تركيا وإيران دليل ينم عن تخبطهم ومكابرتهم المارقة التي ستنصب بلاشك على رأسهم، وسيكونون هم الخاسر الأكبر من الانزواء والانطواء عن دول الخليج العربي. وقد نشر عدد من الصور في وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد عن إقدام أحد رجال الأعمال القطريين على اتباع سياسة التعنت والعناد والتكبر بشحن أكثر من 4 آلاف بقرة من أستراليا إلى قطر في أكثر من 49 رحلة جوية! والمتأمل للخبر سيدرك تماماً سذاجة هذا التاجر وعدم إدراكه وإلمامه بأبسط الأمور في الإنتاج وتأمين الاحتياج الفعلي للبلاد. ومن المؤكد أن شحنة البقر بلاشك ستكون فاشلة وخاسرة حالها كحال السياسة عندهم، فالبقر المستورد يعيش الآن في مرحلة الشتاء الأسترالي، كما هو معلوم، وشحنه إلى قطر في الوقت الحالي، الذي تصل فيه درجات الحرارة إلى أكثر من45 درجة مئوية، سيؤدي ذلك إلى نفوق تلك الأبقار أو عدم تمكنها من مواصلة الإنتاج الذي كان متوقعاً منها في بلدها الأصلي. فهي إذن صفقة أخرى خاسرة، كصفقات قطر السياسية، إلا إذا قرر القطريون أن يضعوا الأبقار المستوردة في الملاعب المغطاة والمكيفة التي بنيت لاستضافة كأس العالم كمراعٍ لتلك الأبقار حتى تتم الاستفادة من شحنة الأبقار، وليستفيدوا أيضاً من الملاعب التي ستكون خالية وخاوية في حال استمرارهم في تعنتهم وعنادهم في الوقوف ضد دول المنطقة. فبدل أن يحل رجل الأعمال مشكلة الشعب في حاجته للألبان والأجبان سيواجه أزمة توجيه الأعلاف للماشية التي جلبها وأعلن عن استيرادها تحدياً لجيران بلده. وكان الأفضل، لو كان فيهم رجل رشيد، استشعار ضرورة الرجوع إلى البيت الخليجي والحضن العربي. ولعل أهل قطر أدرى بدهاليزها وظلامها، وهذا ما يثبت عكس كلام وتصريحات رئيس الوزراء القطري السابق بأن قطر ليست كرتونية، وقد أثبتت هي نفسها من خلال أول اختبار لها أنها بالفعل كرتونية، ولا تستطيع إنقاذ نفسها. وبطبيعة الحال فإن ذلك المأزق السياسي للقيادة القطرية خير برهان على أن إدارة موارد البلاد كلها سجلت فشلاً ذريعاً، وعلى الشعب القطري أن يستفيد من ذلك الدرس، ويعيد النظر في الأموال الطائلة التي تصرف لصالح الإرهاب وتدعم أهله.